Sunday, September 29, 2013

بين الإرادة والتبعية


بين الإرادة والتبعية
ينمو العقل الإنساني ويتطور من خلال التفاعل مع مكونات البيئة التي يعيش الإنسان فيها وينشط من خلالها، وهي بيئة تشمل عناصر طبيعية واجتماعية وأخرى تكنولوجية. إذ يجد كل إنسان نفسه كل ساعة تقريباً أمام خيارات متعددة تجبره على القيام بدراسة كل منها وتقييم أهميتها، وتحليل أبعادها وتبعاتها المحتملة على حياته ومستقبله وما يسعى إلى تحقيقه من أهداف. وفي ضوء ما يتوصل إليه من نتائج، يختار الإنسان الأنسب أو الأفضل أو الأقل خسارة أو تكلفة من الخيارات المتاحة. وحين يخطئ الإنسان في الاختيار، يتعلم من أخطائه، إذ يقوم العقل بتعديل طريقة دراسته وتقييمه للخيارات المتاحة، ما يُضعف احتمالات الخطأ ويقوي احتمالات النجاح في المستقبل. ومع تتابع التجارب الإنسانية وتجدد التحديات الحياتية، تتراكم المعارف لدى الإنسان، ويصبح بإمكانه الحكم على بعض الخيارات بسهولة وبسرعة، وذلك بسبب تكررها أو تشابهها مع غيرها من حالات سابقة... وهكذا يتطور العقل من خلال الصواب والخطأ والتدرب على التفكير ومواجهة التحديات.
لكن حين تتم برمجة العقل على اتباع أسلوب واحد للتعامل مع كل شيء تقريباً بناء على نصوص واضحة وما ينبثق عنها من أوامر ونواهي، فإن العقل لا يتعلم ولا يتطور بالقدر المطلوب لمواجهة معضلات حياته المتغيرة والمتزايدة بشكل يومي، خاصة إذا كانت النصوص المعنية مقدسة. وهذا من شأنه أن يجعل الإنسان المعني مجرد أداة طيعة في يد الغير، لا يعرف معنى الحرية أو الاستقلال، ولا يرتاح لشيء سوى التبعية لأسياد لا يحترمون عقله ولا إنسانيته. وفي ظل تربية كهذه ينمو الفرد في المجتمع انقيادياً اتكالياً مسلوب الإرادة، يقبل مرارة العيش دون شكوى ويستأنس البطش والظلم دون تساءل، لا يفهم معنى الحرية ولا يقوى على نقد نظام حياته، ولا يملك القدرة على التفكير الواعي في معطيات تلك الحياة وكيفية التعامل معها بواقعية وعقلانية. 

No comments:

Post a Comment