Monday, September 19, 2016

أزمة اللغة
إن هيمنة ايديولوجيات دينية وغير دينية على حياة غالبية المجتمعات العربية، وتعرض البلاد العربية عامة لفعل تيار العولمة بشقيه الاقتصادي والثقافي تسبب في تطعيم اللغة العربية بمفردات غريبة عن الثقافات الشعبية. ولقد تسبب هذا في حرمان اللغة العربية من التطور لتعبر عن ظروف الحياة المتغيرة وما يعانيه الناس من مشاكل ويتطلعون إليه من طموحات. ولما كانت اللغة هي طريقة في التفكير والتعبير وأداة للتواصل بين البشر، فإن الفكر والمفكر العربي لم يعد قادراً على فهم واقع الحياة وتحليله بعلمية، فيما لم تعد اللغة العربية قادرة على التعبير عن مشاعر الناس بأمانة؛ وهذا جعل من الصعب أن يتواصل الناس بعفوية كما كان عليه الحال في الماضي القريب. ولما كانت الحياة تتغير تبعا لتغير معطياتها ودرجة تأثرها بتيار العولمة وعلوم الغرب، فإن العرب حُرموا من تطوير مفردات لغوية من صلب لغتهم في مقدورها تجميع مختلف فئات المجتمع حول هموم وأهداف مشتركة.

نتيجة لهذا التطور، أصبح من السهل نشوب الخلافات بين أبناء الوطن الواحد، فيما أصبح من الصعب حل الخلافات بطرق الحوار والتفاهم السلمية. وهذا جعل اللجوء إلى القوة والسلاح هو السبيل شبه الوحيد لحسم الخلافات الدائرة بين الطوائف والعشائر المختلفة والحركات الايديولوجية التي تتبنى أفكارا وقيما ومواقف متباينة. لذلك يُلاحظ قيام الثرى باستغلال الفقير، واتجاه القوي إلى استعباد الضعيف، ولجوء المسلح بايديولوجية إلى خداع الإنسان البسيط والتلاعب في مصيره، وانخراط قادة الأقليات الدينية والثقافية المتطرفين في عمليات تزييف وعي أتباعها والتضحية بهم والإثراء على حسابهم. ومع فقدان القدرة على التواصل مع الصديق والجار والتعبير عن الذات بحرية ووضوح، فإن الشعوب العربية فقدت جزءاً كبيراً من إنسانيتها، ودخلت في نفق معتم يخيم عليه الظلام، ويهيمن عليه الجشع، ويوجهه الخوف والتطرف، ويشيع فيه الفساد، وتعُمه الفوضى.

إن الاندفاع الغريزي وراء الأهواء في غياب المثل الأخلاقية والاعتبارات الإنسانية جعل معظم الناس يفقدون بوصلة الابحار في بحر الظلام والأوهام والمخاوف. فالجار الذي نعرفه اليوم غير الجار الذي عرفناه في الأمس القريب، والقيم الشائعة اليوم غير القيم التي كانت شائعة قبل سنوات قليلة، وقيم الأمانة والوفاء والتعاطف مع الفقراء التي مكنت العرب من العيش قرونا في أمان واطمئنان نسبي اختفت فجأة خلف سراب الكذب والجشع والغيرة والحسد والعداء والكراهية.
 البروفسور محمد ربيع