Sunday, September 29, 2013

بين الإرادة والتبعية


بين الإرادة والتبعية
ينمو العقل الإنساني ويتطور من خلال التفاعل مع مكونات البيئة التي يعيش الإنسان فيها وينشط من خلالها، وهي بيئة تشمل عناصر طبيعية واجتماعية وأخرى تكنولوجية. إذ يجد كل إنسان نفسه كل ساعة تقريباً أمام خيارات متعددة تجبره على القيام بدراسة كل منها وتقييم أهميتها، وتحليل أبعادها وتبعاتها المحتملة على حياته ومستقبله وما يسعى إلى تحقيقه من أهداف. وفي ضوء ما يتوصل إليه من نتائج، يختار الإنسان الأنسب أو الأفضل أو الأقل خسارة أو تكلفة من الخيارات المتاحة. وحين يخطئ الإنسان في الاختيار، يتعلم من أخطائه، إذ يقوم العقل بتعديل طريقة دراسته وتقييمه للخيارات المتاحة، ما يُضعف احتمالات الخطأ ويقوي احتمالات النجاح في المستقبل. ومع تتابع التجارب الإنسانية وتجدد التحديات الحياتية، تتراكم المعارف لدى الإنسان، ويصبح بإمكانه الحكم على بعض الخيارات بسهولة وبسرعة، وذلك بسبب تكررها أو تشابهها مع غيرها من حالات سابقة... وهكذا يتطور العقل من خلال الصواب والخطأ والتدرب على التفكير ومواجهة التحديات.
لكن حين تتم برمجة العقل على اتباع أسلوب واحد للتعامل مع كل شيء تقريباً بناء على نصوص واضحة وما ينبثق عنها من أوامر ونواهي، فإن العقل لا يتعلم ولا يتطور بالقدر المطلوب لمواجهة معضلات حياته المتغيرة والمتزايدة بشكل يومي، خاصة إذا كانت النصوص المعنية مقدسة. وهذا من شأنه أن يجعل الإنسان المعني مجرد أداة طيعة في يد الغير، لا يعرف معنى الحرية أو الاستقلال، ولا يرتاح لشيء سوى التبعية لأسياد لا يحترمون عقله ولا إنسانيته. وفي ظل تربية كهذه ينمو الفرد في المجتمع انقيادياً اتكالياً مسلوب الإرادة، يقبل مرارة العيش دون شكوى ويستأنس البطش والظلم دون تساءل، لا يفهم معنى الحرية ولا يقوى على نقد نظام حياته، ولا يملك القدرة على التفكير الواعي في معطيات تلك الحياة وكيفية التعامل معها بواقعية وعقلانية. 

Wednesday, September 18, 2013

الحمار والإنسان

الحمار والإنسان

هذه قصة طريفة وصلتني معظم تفاصيلها على الإنترنيت، قمت بإجراء تعديلات عليها وإعادة صياغتها وإضافة تفاصيل جديدة كي تعبر بشكل أفضل عن مشاعري ومشاعر غيري من الناس الذين يرون الإنسان والحمار من زاوية مشابهة... وهنا لا بد أن أعترف بأنني من المعجبين بشخصة الحمار وسلوكه ومواقفه. لذلك تركته يلعب دوراً رئيسا في روايتي "هروب في عين الشمس"، وكتبت عنه قصيدة بعنوان "الحمار الحليم"، بإمكان القارئ أن يطلع على كل من الرواية والقصيدة على موقعنا المذكور أدناه.

كان يا مكان في حديث الزمان
مجموعة من الحمير في دولة عربية  
تعمل بإخلاص وتفكر بهدوء وروية
تنام الليل مرتاحة الضمير
دون فرشة قش أو حصير
قرر حمار صغير ذات يوم أن يضرب عن الطعام
ضعف جسده وتهدّلت أذناه من الوهن
كاد أن يموت من الجوع ويطويه الزمن

أدرك أباه ان صحة ابنه تتدهور كل يوم
أراد أن يفهم السبب حتى لا يقع في اللوم
زار الأب الإبن في الليل على انفراد
يستطلع حالته الصحية المتدهورة باطراد
ما بك يا بني.. ماذا تُعاني؟
هل تحتاج لدواء مُستعجل أو مُداوي؟
أخبرني لماذا تُضرب عن الطعام
هل أزعجك رجل، إمرأة، أو غلام؟
رفع الحمار الأبن رأسه عاليا وقال

إنني مستاء يا أبي من حالنا بين البشر
يوجهون لنا الإهانات كزخات المطر
يسخرون منا نحن معشر الحمير
نخدمهم ليل نهار ولا نسأل حتى عن شعير
نسوا أننا مخلوقات تسحق الاحترام والتقدير
كأن الخائن منهم أمير، والمخلص منا حقير

لا أفهم يا بني ماذا تقول
دع عنك هذا الكلام وهذا الشعور
لا أنت تعرف ولا أنا من هو المسئول
آن الأوان لحرث الأرض وتسميد الحقول
علينا أن نستعد قبل أن تشتد حرارة الصيف
ومتعة العمل في المزارع الخضراء تزول

تمهل يا أبي قليلا
ألا تسمعهم كلما ارتكب أحدهم حماقة قالوا له يا حمار
كأن الغباء في دمنا، عقيدة لنا وشعار
إننا نعرف معنى الحياة، وكيف يكون الوفاء
نتألم، نبكي، نصرخ.. نعيش ونموت بكبرياء
لنا مشاعر صامة، شموخ، عزة، وإباء
 نفكر، نقتفي الأثر، ونعرف كل طريق
نجوب الصحاري من أجلهم بلا دليل أو رفيق

ارتبك الحمار الأب أمام تساؤلات حمار صغير
حرّك أذنيه يُمنة ويٍسرة... استلهم من الطبيعة حكمة كون كبير
اقترب من ابنه يحاوره بمنطق الشرفاء معشر الحمير

البشر يا بني خلقهم الله وفضّلهم على سائر المخلوقات
تعاملوا مع أنفسهم ومع الغير بقسوة فعاشوا العمر عثرات
أساؤوا لأنفسهم قبل أن يتوجهوا لنا بالإساءة والإهانات

دعني أسألك يا بني سؤالا صغير:
هل رأيت حمارا يسرق مال اخيه؟
هل رأيت حمارا يعتدي على طعام غيره من الحمير؟
هل رأيت حمارا يشتكي على أحد من أبناء جنسه؟
هل رأيت حمارا يشتم أخيه الحمار؟
 هل رأيت حمارا يضرب زوجته أو أولاده؟
هل رأيت حمارا يدخن سيجارة، أو حمارة تدخن أرجيلة؟
هل سمعت أن حمير الأمريكان يخططون لقتل حمير العرب؟
هل رأيت حمير اليهود يعذبون حمير العرب؟
هل سمعت حمير بريطانيا وفرنسا يستهزؤون بحمير العرب؟
طبعا لم تسمع بهذه الجرائم ولم ترها أبدا
هذه جرائم ليست من طبع الحمير
بل من طبع بشر لا يحسنون التفكير
ويسيئون التفسير والتأويل والتدبير

عليك يا بني أن لا تنخدع بالعقل البشري
بل عليك أن تفكر بعقلك الحميري
إرفع رأسك عاليا لترفع رأس بني الحمير
لا تهتم بما يقوله كبير البشر أو الصغير
الفقير والثري والعبد والأمير
عاهدني أن تبقى كما خلقت وفيا صبورا
تعيش العمر حمارا ابن حمار
تتصرف بشهامة وعزة ووقار
يكفينا فخرا أننا لا نقتل ولا نسرق ولا ننافق
لا نعتدي على بعضنا البعض، ولا يغتاب أحدنا الآخر
نحب لا نكره، نصدق لا نكذب، نشقى لا نتذمر

صدقت يا أبي، قال الحمار الصغير.
سآكل الشعير وأنام بلا حصير
سعيداً برزقي قليلا كان أم كثير
سأحافظ على موقعي في سلم المخلوقات
حمار يحترم نفسه ويقدر سائر الكائنات

سأترك الإنسان ابن الإنسان
يعيش حياته طاغية يُمارس العدوان
لا يُؤتمن على شيء
ولا يدرك معنى الأمان
أمام الفأر قط شجاع
وأمام القط فأر جبان.


                   د. محمد ربيع                      www.yazour.com

Sunday, September 8, 2013

مقتطفات من ذكريات تأبى النسيان: بدايات الاستعمار في فلسطين

بدايات الاستعمار
اخبرني الصديق العزيز لودفيج وهبي تماري، أحد أبناء مدينة يافا، وربما أكثرهم عشقاً لها، أن منطقة تل الريش الواقعة في طرف يافا كان اسمها حتى بدايات القرن العشرين تل الروس. ويعود سبب تلك التسمية إلى واقعة قطع رؤوس حوالي 2000 شخص ودفنها في ذلك المكان... أشخاص جمع نابليون معظمهم واحتجزهم كأسرى ورهائن في طريقه من مصر إلى عكا بعد غزو مصر والاستيلاء عليها في أواخر القرن الثامن عشر. وبسبب تفشي مرض الطاعون بين رجاله، فإن نابليون قام بعزل المصابين والرهائن في منطقة نائية على أطراف يافا، حيث تركهم هناك فريسة للجوع والمرض والإهمال، وسار في طريقه إلى عكا بهدف الاستيلاء عليها. وفي أعقاب فشل جيشه في اقتحام تلك المدينة عام 1799، أصدر الإمبراطور الفرنسي أوامره في طريق العودة إلى مصر بقتل المحتجزين في يافا وقطع رؤوسهم وحرق جثثهم، حيث تم تنفيذ الجريمة على رأس هضبة مشرفة على البحر. لذلك اكتسبت تلك الهضبة اسم تل الروس، ومن ثم تحول اسمها إلى تل الريش حين بدأ سكان يافا باستيطانها. ولقد بقيت آثار الجريمة مخفية حتى قيام أهل يافا بالتوسع في اتجاه تلك الهضبة في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين، وتحويل معظم أراضيها إلى بساتين برتقال وحمضيات... إذ من خلال أعمال التشجير وحفر قنوات الري والآبار الارتوازية، عثر العمال على عشرات الرؤوس المقطوعة في بيارة تماري، وعلى المئات غيرها في بيارات أخرى مجاورة. وتشير المعلومات الشفوية إلى أن الضحايا كانوا خليطاً عجيباً من الناس، الأغلبية كانت من الأتراك، والباقي كانوا من المصريين والسودانيين والأفارقة والفلسطينيين والمرتزقة الأوروبيين الذين حاربوا في صفوف جيش نابليون.
يبدو أن هزيمة نابليون أمام أسوار عكا، ومروره عبر سيناء في طريقه عائداً إلى مصر أقنعته بأن لفلسطين أهمية استراتيجية. وهذا جعله يقترح على يهود أوروبا إقامة دولة لهم في فلسطين تكون حليفة لفرنسا، وتقديم الوعود لهم بمساعدة الإمبراطورية الفرنسية. كان هدف نابليون الأساسي احتواء النفوذ البريطاني في تلك المنطقة عبر إقامة كيان غريب عنها متحالف مع فرنسا. وبذلك يكون نابليون قد استبق قيام الحركة الصهيونية بحوالي 100 عام، وحدد معالم الاطماع الاستعمارية وأهدافها الرئيسية في المنطقة العربية.
في عام 1840، تبنى البريطانيون فكرة نابليون وقاموا بالاتصال بالسلطان العثماني، حيث طلبوا منه السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين. ومع أن السلطان رفض ذلك الطلب، إلا أن الحكومة البريطانية قامت بتشجيع أثرياء اليهود على تمويل عمليات بناء مستوطنات يهودية في فلسطين. ومع افتتاح قناة السويس للملاحة عام 1862، أدركت بريطانيا أهمية ذلك المجرى المائي، وحاجتها الاستراتيجية للسيطرة على القناة من أجل التحكم في طرق التجارة الدولية. نتيجة لذلك، اندفعت بقوة نحو دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتمهيد الطريق لإقامة كيان يهودي عنصري في تلك البلاد يكون متحالفاً معها ومعادياً لسكان المنطقة من العرب. وكما جاء في عديد الوثائق والكتب، كان هدف بريطانيا هو الهيمنة على قناة السويس والحيلولة دون قيام وحدة عربية تجمع عرب إفريقيا مع عرب آسيا في دولة واحدة. ولقد تتوجتْ جهود بريطانيا والحركة الصهيونية بالنجاح بعد استيلاء بريطانيا على فلسطين عام 1917، وهو العام الذي شهد صدور "وعد بلفور" الذي تعهدت بريطانيا بموجبه بمساعدة يهود أوروبا الذين أنشئوا الحركة الصهيونية عام 1897 على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
وتشير الوثائق التي كُشف النقاب عنها حديثاً إلى عمق الالتزام البريطاني بتحقيق ذلك الهدف، ومدى الدعم السياسي والمادي والعسكري الذي قدمته تلك الدولة الاستعمارية للحركة الصهيونية من أجل تمكينها من إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وإلى سكوت قوات الاحتلال البريطاني على جرائم التطهير العرقي التي ارتكبتها المنظمات الإرهابية اليهودية خلال عامي 1947 و 1948. ومع أنه مضى على إقامة إسرائيل 65 عاماً، وعلى الرغم من تحول قطاع كبير من الرأي العام البريطاني إلى جانب الفلسطينيين، وقيام العديد من المؤرخين والمثقفين بالاعتراف بجريمة بلادهم وكشف حقيقتها وإدانتها، إلا أن كل نخبة حاكمة بريطانية تورث العنصرية والكراهية لكل جيل يأتي بعدها كي لا يتراجع عن دعم إسرائيل، ولا يتوقف عن كراهية العرب والعمل على تقويض محاولات التحرر والتنمية والوحدة في وطنهم.
حين وقعت الحرب العالمية الأولى كان "محمود القنيري"، خال الوالد، ضابطاً برتبة عالية في الجيش التركي. وحين هُزمت تركيا وتفرق جيشها، أطلق القنيري سراح جنوده، وبدأ رحلة العودة من اليمن إلى وطنه فلسطين ليصل يازور بعد أن كان جيش الاحتلال البريطاني قد دخل فلسطين وسيطر عليها. اعتبر الناس نجاح القنيري في الوصول إلى فلسطين بعد أشهر من السفر من اليمن عبر السعودية والأردن على ظهر حصانه وبندقيته على كتفه معجزة. لقد قطع محمود القنيري تلك البلاد بجبالها وسهولها وصحاريها من دون أن تصادفه قوات معادية، ومن دون أن تعترض طريقه عصابة. لكن تلك "المعجزة" كانت تعكس حال العرب في تلك الأيام، التعاطف مع بعضهم البعض، ومد يد العون لكل غريب، وحماية أبنائهم من غدر الأعداء وقطاع الطرق... كانت أخلاقيات التعاطف، ووحدة الدين واللغة، وتشابه العادات والتقاليد عوامل ثقافية مشتركة وحدت العرب وجمعتهم معاً في الماضي، فيما جاءت أخلاقيات السياسة والجشع وعبادة المال والسلطة لتفرقهم في الحاضر.
وفي الواقع، وحتى عام 1939 لم تكن هناك حدود سياسية بين البلاد العربية بالمعنى المتعارف عليه اليوم، لذلك كان العربي يقطع بلاد العرب من موريتانيا إلى عُمان من دون إذن مسبق أو جواز سفر. كما كان المسافر أو الرحالة يجد دوماً من يستقبله بالترحاب ويدعوه إلى الإقامة في بلده ويتخذه صديقاً أو أخاً، ما جعل مئات العائلات المهاجرة تسكن في معظم المدن وحتى القرى العربية البعيدة والقريبة.
كان من حسن تخطيط محمود القنيري أنه مر على يازور قبل أن يواصل طريق العودة إلى قرية الشيخ مونس. وحين وصل يازور استقبله جدي وجدتي ووالدي الذي كان صبياً، بالفرح والترحاب. أخذوا منه الحصان والبندقية وأخفوها بعيداً عن الأنظار وعن عيون الجيش البريطاني الذي كان يتصيد أمثاله من الضباط ويعدمهم على الفور، وأحضروا له لباساً مدنياً بدلاً من زيه العسكري، واستضافوه بضعة أيام قبل مرافقته إلى الشيخ مونس مروراً بأطراف يافا وتل أبيب التي كانت تعج بالجنود البريطانيين. قطع محمود القنيري أراضي السعودية والأردن وفلسطين دون أن يعلم أن فلسطين وقعت في يد البريطانيين الذين جاؤوها أعداء مُحتلين مُستعمرين متواطئين مع الصهاينة. كانت الحكومة البريطانية حينئذ قد أصدرت وعد بلفور، ونذرت نفسها لاستخدام قوتها العسكرية ومكانتها الدولية لإقامة كيان يهودي معاد للعرب على أرض فلسطين يكون بمثابة حاجز جغرافي يحول دون تواصل الشعوب العربية التي تعيش في افريقيا مع الشعوب العربية التي تعيش في آسيا، وأداة عسكرية توظفها لتكريس التجزئة السياسية على الأرض العربية وحرمان العرب من الوحدة والتحرر والنهضة.



Thursday, September 5, 2013

أمريكا والتطورات الدولية: مقتطفات من كتاب التدمير الذاتي العربي:

أمريكا والتطورات الدولية
تشير العديد من الدراسات ومداولات الكونجرس إلى وصول النخبة الأمريكية الحاكمة إلى قناعة بأن الصين تشكل أكبر تهديد لمصالح أمريكا الاقتصادية والإستراتيجية على المدى البعيد. وفي ضوء هذه القناعة، اتجهت الإدارة الأمريكية إلى تعزيز تواجدها العسكري في آسيا والاهتمام بمسرح العمليات العسكرية والتجارية في تلك المنطقة. وتأمل أمريكا من هذا التحول احتواء نفوذ الصين المتزايد في منطقة جنوب شرق آسيا بالذات، وإقناع القيادة الصينية بضرورة احترام مصالح أمريكا والتعاون معها بشأن العديد من القضايا المشتركة. ولما كانت القوة الاقتصادية التنافسية لأمريكا وقوتها العسكرية النسبية قد دخلتا مرحلة التراجع منذ سنوات بسبب حروبها الطويلة في أفغانستان والعراق، وعملياتها العسكرية في دول عديدة مثل اليمن والصومال وباكستان، فإن النخبة الحاكمة في أمريكا رأت على ما يبدو أن الوقت حان للانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع ضمان استمرار الهيمنة الأمريكية على تلك المناطق الحيوية.
إن تراجع قوة أمريكا الاقتصادية والعسكرية النسبية جاء بسبب فقدان أمريكا ما كان لديها من قدرات اقتصادية تنافسية، ونتيجة لارتفاع المديونية على مستوى الشعب والدولة، وتزايد حدة الفقر ومعدلات البطالة، واتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء. وعلى سبيل المثال، بلغت ديون الدولة الأمريكية في منتصف عام 2013 حوالي 17 تريليون دولار، أي ما يزيد عن 53 ألف دولار بالنسبة للفرد، فيما تجاوزت ديون الشعب الأمريكي 15.8 تريليون دولار. أما فيما يتعلق بمعدلات الفقر فقد ارتفعت من 14.5% في عام 2009، إلى 16% في عام 2012. وفيما كانت قوة أمريكا الاقتصادية والعسكرية النسبية تتراجع تدريجيا، كانت قوة روسيا العسكرية تنمو باضطراد، وقوة الصين العسكرية والاقتصادية تتصاعد، ما يجعل من الصعب على أمريكا أن تحتفظ بتفوقها العسكري على بقية دول العالم. إضافة إلى ذلك، فيما كانت القدرة الاقتصادية التنافسية لدول الغرب عامة تتقلص، كانت القدرات الاقتصادية التنافسية للعديد من دول العالم تتزايد، ما جعل دول الغرب تفقد ملايين الوظائف الصناعية، وتتحول البطالة في معظمها إلى مشكلة هيكلية يصعب حلها بالطرق التقليدية.
إن تنامي قوة الصين الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وموقعها الاستراتيجي في القارة الآسيوية، وحجم سكانها الكبير يجعلها – نظريا ً – القوة الوحيدة القادرة على التصدي للقوة الأمريكية على المدى البعيد. ولما كان صعود الصين السريع يشكل تهديداً لمصالح أمريكا الإستراتيجية، فإن عدم مواجهة التحدي الصيني اليوم قد يؤدي إلى انتهاء الإمبراطورية الأمريكية وتقويض نفوذها في جزء كبير وهام من العالم في المستقبل القريب. ومما يزيد المشكلة الصينية تعقيداً توجه الصين نحو القارة الإفريقية والاستثمار فيها بكثافة، واستئجار مساحات كبيرة من أراضيها الزراعية، وتقديم بلايين الدولارات مساعدات لها ولحكامها. إضافة إلى ذلك، تقوم الصين بالعمل على احتكار بعض المعادن النادرة التي لا غنى عنها للعديد من الصناعات الحربية والسلمية الاستراتيجية. ومع أن الصين تشكل حوالي 20% من سكان العالم، إلا أنها لا تملك سوى 7.5% تقريبا من الأراضي الزراعية الخصبة، ما يعني أنها بحاجة إلى المزيد من الأراضي الزراعية كي لا تقع تحت رحمة دول المعسكر الغربي. وهذا يعني أنه فيما اتجهت أمريكا إلى الهيمنة على أهم مصادر الطاقة المتواجدة في المنطقة العربية، تتجه الصين إلى الهيمنة على أهم مصادر الغذاء المتواجدة في القارة الأفريقية، واحتكار المعادن الاستراتيجية.
تملك الصين احتياطي من العملات الصعبة يزيد عن 3.5 تريليون دولار، ما يجعلها قادرة على شراء جميع ما لدى القارة الإفريقية ودولها من معادن وأراضي زراعية وشواطئ ونخب سياسية واقتصادية قابلة للبيع. من ناحية ثانية، يشكل التقدم الصيني في مجال البحوث التكنولوجية وعلوم الفضاء تحدياً في غاية الأهمية لا تستطيع أمريكا أن تتجاهله، كما قامت الصين، كما تدعي الحكومة الأمريكية، بسرقة 14 نظاماً عسكرياً جديداً تحت التطوير تمثل الجيل القادم من النظم الحربية. لهذا وجدت أمريكا نفسها مضطرة إلى التوجه نحو آسيا ضمن خطة عسكرية سياسية اقتصادية لاحتواء نفوذ الصين والحد من تمدد الإخطبوط الصيني. ويأتي اقتراح أوباما بخفض عدد الرؤوس النووية ضمن خطة أمريكية تستهدف على ما يبدو تحييد روسيا، ولو مؤقتا، فيما تقوم أمريكا بمواجهة المارد الصيني. كما جاءت زيارة أوباما لبعض الدول الإفريقية في أواخر شهر يونيو 2013 في محاولة لاستعادة النفوذ الأمريكي في تلك القارة وفتح أسواق استثمار وتجارة جديدة للشركات الأمريكية. ومع أن أطماع الصين في إفريقيا واضحة، إلا أن النخب الحاكمة في أغلبية الدول الإفريقية لا تمانع من التعاون مع الصين بعد أن قام الغرب بالتخلي عنها وإهمالها في أعقاب انتهاء عهود الاستعمار البغيضة لدرجة جعلت أفريقيا تبدو قارة منسية.
إن اتجاه أمريكا إلى احتواء قوة الصين الاقتصادية والعسكرية المتنامية قد يتسبب في دخول الدولتين في سباق اقتصادي تكنولوجي عسكري من الصعب أن تكسبه أمريكا، وقد تخرج منه كما خرجت روسيا من الحرب الباردة منهكة من النواحي الاقتصادية والنفسية وممزقة من النواحي الاجتماعية. ومع أن باستطاعة أمريكا أن تحافظ على تفوقها الاقتصادي على الصين والعسكري على روسيا لسنوات قادمة، إلا أن التمحور العقائدي والتفاوت الطبقي والجشع الذي يسيطر على عقول النخبة الأمريكية الحاكمة يجعل مهمة أمريكا صعبة للغاية. وحتى في حال نجاح أمريكا في كسب سباق التسلح مع الصين وروسيا فإن ثمن النجاح سيكون باهظاً للغاية وتبعاته وخيمة على الساحة الداخلية، قد تقود إلى إعادة هيكلة الفلسفة السياسية والعسكرية والاقتصادية الأمريكية، ما يفتح المجال لبروز نخبة اجتماعية اقتصادية جديدة قد لا يأتي صعودها إلى السلطة سلمياً. في ضوء هذه التطورات والاحتمالات، اتجهت أمريكا إلى الاستثمار في الأسلحة ونظم الحرب، وشراء الذهب من الدول الفقيرة، والعمل بهدوء وتأني على تحويل بعض الدول إلى دول فاشلة مثل العراق وباكستان تتقاسم السلطة فيها عصابات مسلحة، وتمكين إسرائيل من الهيمنة على المنطقة العربية.
إن أهمية المنطقة العربية من النواحي الإستراتيجية بالنسبة لأمريكا دفعت أوباما إلى دعم إسرائيل ومدها بالمزيد من الأسلحة والمال لتمكينها من الهيمنة على تلك المنطقة نيابة عن أمريكا، مع خلق ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تحول دون قيام تعاون فعال بين الدول العربية. ولما كانت تلك الأهداف تخدم أيضاً مصالح بريطانيا وفرنسا، فإن قوى الاستعمار القديم والجديد اتفقت فيما بينها على ما يبدو على خطة ترمي إلى تقويض القدرات التنموية لكل الدول العربية وتجزئتها إلى دويلات متناحرة، وحرمان شعوبها من فرص التقدم والتحرر والعيش في وئام وسلام وأمان. ومع شيوع نموذج الدولة الفاشلة في البلاد العربية، تستحوذ إسرائيل على "شرعية دولية" تمنحها حق التصرف بحرية في منطقة تحكمها عصابات خارجة على القانون. وهذا من شأنه أن يعزز قدرات إسرائيل على تحويل الحكام العرب إلى أمراء طوائف، واستعباد العرب واستغلال مواردهم باستخدام حكام بلا إرادة، وقادة عصابات يأتمرون بأمرها ويديرون البلاد لحسابها وحساب أمريكا. لذلك اتجهت قوى الغرب الاستعمارية إلى تحريض الطوائف والأقليات في معظم الدول العربية ضد بعضها البعض وضد نظم الحكم القائمة، وجر كل دولة ببطء نحو التمزق من الداخل والدخول في حروب طائفية وإثنية ودينية تفضي في نهاية المطاف إلى فشل الدولة وهيمنة عصابات مسلحة عليها. ولما كان من غير الممكن احتفاظ عصابة بنفوذها من دون أسلحة ودعم خارجي، فإن كل عصابة ستجد نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى نفس القوى الاستعمارية في مقابل توظيف إمكانياتها في خدمة تلك القوى، ما يحولها بسرعة إلى قوى عميلة تخون وطنها، وتعمل ضد شعبها، وتهدم مستقبل أطفالها. 


Monday, September 2, 2013

ذكريات تأبى النسيان: مقتطفات من الجزء الأول "الشتات" من تراث يازور الشعبي

من تراث يازور الشعبي
شهد مقام الإمام علي العديد من الأحداث الغريبة والهامة التي كان لها أثر في حياة أهالي يازور وتراثهم الاجتماعي، من بينها إجراء مراسم جنازة لأحد سكان القرية دون أن يفارق الحياة. لقد وقع ذلك الحادث، كما قالت لي جدتي حِسٍنْ، في السنوات الأولى من القرن العشرين بعد زواجها من جدي بوقت قصير. كان الرجل الذي شيعوا جنازته مريضاً، ودخل على ما يبدو في غيبوبة دامت يومين، ما جعل نبضه يضعف كثيراً. ظن أهله أنه فارق الحياة، وبالتالي قاموا بتغسيله وتكفينه وأخذه إلى مقام الإمام علي والصلاة عليه، لكن حين انتهت تلك المراسم كان الوقت قد أصبح متأخراً لدفنه، ما حتم الانتظار حتى صباح اليوم التالي لحمله إلى مثواه الأخير. ترك المصلون الرجل، أو جثته كما ظنوا داخل مبنى الجامع وعادوا إلى بيوتهم. لكن حين بدأ نور الصباح يتسلل إلى داخل الجامع، صحا الرجل من غيبوبته، نظر حوله فوجد نفسه ملفوفاً بكفن ومستلقياً داخل نعش. ذُهل الرجل، لكنه سرعان ما أدرك ما حدث له، وعرف أنه هناك في انتظار شروق الشمس ليدفن حياً. سارع الرجل إلى الخروج من النعش، فتح باب الجامع، وسار في اتجاه بيته مسرعاً. لكن مروره في شوارع القرية صادف ذهاب المزارعين إلى مزارعهم، وبعض النساء إلى آبار الماء لملء جرارهن. فوجئ الناس بمنظر شيء غريب يمر في أزقة القرية ملفوفاً في كفن أبيض... ظنوه شبحاً غازياً يريد إيذاء الناس والأطفال، ما جعلهم يصيحون خوفاً ويتراكضون في كل  حدب وصوب. ومع أن الناس عرفوا فيما بعد حقيقة ما حدث وتفاصيل القصة، وأدركوا أن حدوثها كان ممكناً، إلا أنهم شعروا بأن هناك شيئاً يقلقهم في ذلك الرجل، ما جعل البعض من الناس يبتعد عنه. لذلك أصبح الرجل المسكين شخصاً منبوذاً إلى حد كبير، يخافه الناس، ولا يشعرون بالارتياح إليه أو الرغبة في الاقتراب منه.
من الحكايات الأخرى التي تذكرتها بينما كنت أتعبد في محراب الطبيعة في جاتلنبيرج، حفلة زفاف عمي إلى ابنة عمه "رحمة" التي كانت امرأة جميلة ومتحررة بكل مقاييس عصرها. بدأت الزفة من بيتنا، بيت العريس، وخرجت منه إلى مقام الإمام علي في أطراف البلدة القديمة، حيث توقفت هناك طويلاً قبل العودة إلى بيت العريس مروراً بالشارع الرئيسي. كانت خالة والدي، "الحاجة عائشة"، تحملني على كتفيها، وكان ابن عم الوالد والأخ الأكبر للعروس، أحمد إسماعيل، يدق الطبلة طوال الزفة. وفي ليلة الفرح، المسماة ليلة الحنة، كنت الطفل الوحيد من عائلة العروسين الذي رفض أن يضع الحنة في يديه، وكأن التمرد على التقاليد وُلد معي كجزء من جينات ورثتها عن أجداد قدامى لم يعد يتذكرهم تاريخ.
 وفي صباح اليوم التالي، صحت العروس من نومها متأخرة لتجدني أتسلق شجرة تين عجوز ولكن مثمرة، ومن أجل عينيها الجميلتين حاولت أن اقطف لها أفضل ما كان على الشجرة من ثمار يانعة. كانت تلك الثمار تتدلى من طرف غصن طري، ما كدت أن ألمسه حتى هوى الفرع الذي كنت أقف عليه وسقطت على الأرض، ما تسبب في فتح جرح عميق في رأسي، استوجب نقلي في الحال إلى يافا، وإجراء عملية جراحية لوقف النزيف وإغلاق الجرح. وعلى الرغم من شفاء الجرح تماماً بعد أيام، إلا أن آثاره أبت أن تزول، حيث تركت في وسط رأسي أخدود صغير دائم، بدأت معالمه تتكشف للعيان قبل سنوات حين لم يعد في الرأس ما يكفي من الشعر لإخفاء ما تحته من آثار شقاوة قديمة. مع ذلك لم أتوقف عن تسلق شجرة التين أو غيرها، لكنني تعلمت الحذر من تلك التجربة القاسية، ولذا لم أقع من فوق شجرة بعد تلك الحادثة.
من الحكايات الطريفة جداً التي وقعت في قرية يازور، حكاية الحمير الثلاثة التي كشفتْ جريمة قتل بعد مرور سنوات على وقوعها... جريمة مروعة لم تستطع أجهزة البوليس والمخابرات البريطانية اكتشافها. إذ فيما كان ثلاثة إخوة يقودون حميرهم المحملة بالقمح في طريقهم من يازور إلى قرية ساكيه، اعترضت طريقهم عصابة من قطاع الطرق، قام أفراد العصابة بقتل الرجال ودفنهم والاستيلاء على حميرهم وما كان عليها من حمولة. حزن أهل القرية على فقدان الشباب حزناً شديداً، وشاركهم أهل قرية ساكيه الحداد، وتبرع العديد من أبناء القريتين بتشكيل فريق عمل مشترك للبحث عن الجناة والانتقام منهم، لكن كل الجهود، بما في ذلك جهود قوات البوليس البريطاني وجهاز مخابراته باءت بالفشل. بعد مرور بضع سنوات، وكانت الحياة قد عادت إلى بيت عائلة الضحايا إلى ما كانت عليه في الماضي، دق باب البيت طارق بطريقة مألوفة أيقظت الذاكرة من سُباتها. فتحت والدة الضحايا الباب بشوق يشوبه الحذر، فإذا بالحمير تدخل من دون استئذان، فالدار دارها وتعرف مكانها فيه، وقد عادت وعلى ظهورها حمولتها من القمح. كان التعب والإرهاق والعطش يبدو واضحاً على وجوه الحمير، ما جعل المرأة تعانقها وتربت على ظهورها بحنان حتى اطمأنت تماماً، ثم أحضرت لها الماء والشعير، وتركتها تأكل وتشرب وتأخذ قسطاً من الراحة.
جاءت عودة الحمير إلى البيت بعد سنوات غياب مفاجأة أقرب إلى الخيال من الحقيقة، إن لم نقل معجزة. لكن ما كاد أهل البيت يصحون من وقع المفاجأة حتى دق بابهم زوار غرباء، فتحت المرأة الباب، فإذا بالزوار يسألون عن حميرهم، وعما إذا كانت الحمير موجودة لديهم. قالت لهم السيدة بأدب: نعم... الحمير هنا، لقد أكلت وشربت وأنها تأخذ الآن قسطاً من الراحة... تفضلوا استريحوا قليلاً، سأحضر لكم الشاي حتى تنتهي الحمير من غفوتها. وبعد أن جلس الزوار على بساط في ساحة البيت مطمئنين، دخلت السيدة إحدى الغرف، أمرت أحفادها بالذهاب إلى بيوت الأهل والأقارب وإعلامهم بأن قتلة شبابهم وإخوتهم في البيت. لم تمضِ دقائق حتى كان حوالي عشرة من رجال العائلة والجيران قد تجمعوا وألقوا القبض على الزوار وقاموا بتقييد أيديهم وأرجلهم وتحويلهم إلى رهائن. صُعق الزوار... لم يتعودوا على ذلك النوع من الضيافة في يازور التي عُرف عن أهلها الكرم والتسامح واستضافة الغرباء ومد يد العون للمحتاجين منهم. وحين بدأ أهل الضحايا باستجواب ضيوفهم، قال الرهائن إنهم لم يقوموا بقتل أي إنسان، ولا يعرفون عن الحادثة شيئاً، وإنهم اشتروا الحمير قبل سنة في سوق غزة من رجل من أبناء المنطقة يعرفونه جيداً ويعرفون اسمه وبيته حق المعرفة.
إن كون يازور قرية مضيافة على أبواب يافا، جعلها تغدو محطة يتوقف فيها المسافرون إلى المدينة لأخذ قسط من الراحة قبل دخول سوق المدينة الكبيرة والضياع في زحمتها، خاصة الفلاحين الذين كانوا يقصدون يافا مشياً على الأقدام أو بصحبة حميرهم أو بغالهم أو جمالهم المحملة بالبضائع. وحين وصل زوار يازور بحميرهم الثلاثة في ذلك اليوم، قرروا التوقف هناك كالعادة بعض الوقت، استلقوا تحت شجرة جميز كبيرة، وتركوا حميرهم ترعى طليقة. لكن الحمير لاحظت أن المكان كان مألوفاً بالنسبة لها، لذلك تحركت في الاتجاه الذي سلكته في الماضي مراراً وصولاً إلى بيت أصحابها الأصليين. بعد أن صحا الزوار من غفوتهم لم يجدوا الحمير حيث تركوها، ما دفعهم للبدء في البحث عنها بسؤال كل من مر بهم أو قابلهم في الطريق من أهل البلدة. وبالفعل، استطاع أحد الشبان أن يأخذهم إلى مكانها، لأنه كان قد رأى الحمير تدخل بيت أصحابها الأصليين.
كان أهل الضحايا وجيرانهم الذين تواردوا على البيت لإلقاء القبض على "القتلة" في ذلك اليوم حكماء، تحلوا بالصبر حتى لا يظلموا أحداً. وهذا دفعهم لإعلام الجهات الأمنية بدلاً من اللجوء إلى قتل الرهائن والانتقام لثأر قديم. وبالفعل، تم تسليم الرهائن للجهات الأمنية الحكومية، حيث قاموا بتزويد البوليس باسم وعنوان الشخص الذي باعهم الحمير في غزة. وبعد إلقاء القبض عليه، اعترف الرجل باشتراكه في جريمة القتل، كما اعترف بأسماء شركائه، حيث تم إلقاء القبض عليهم جميعاً ومحاكمتهم وإعدامهم. كان كل ذلك يجري دون علم الحمير، ومن دون أن تدري أنها فعلت ما لم تستطع قوات الأمن والمخابرات البريطانية أن تقوم به، وأنه من دون ذاكرتها القوية ووفائها ما كان من الممكن أن يتم القبض على الجناة ومحاكمتهم وتطبيق العدالة بحقهم، ولو بعد حين.
محمد ربيع

Sunday, September 1, 2013

عين الشمس

عين الشمس
هل للشمس عين يمكننا أن ننظر فيها كي نغازل الشمس أو نعاتبها؟ لو كان للشمس عين لكان بإمكاننا أن نغويها كي تُسدل جفونها وتُلطف الأجواء حولنا أيام الصيف الحارقة، وأن نستثير غرائزها كي تفتح عينها الواسعة فتبعث الدفء فينا أيام الشتاء القارصة. لكن عين الشمس لا ترحم في الصيف ولا تحنو في الشتاء حتى على عُشاقها لأنها شمس تحرق من يُعاندها في الصيف وتُجمد من لا يركض خلفها في الشتاء... كوكب يسير في سبيله، يصنع تاريخه ويسهم في صنع تاريخ البشرية بإصراره على ان يكون شمسا... لا غير. لكن الشمس في الحالتين تكشف معادن الرجال والنساء والأطفال والدول والمراهقين، الأذكياء والأغبياء منهم على السواء.
وبسبب حرارة شمس هذه الأيام، نلاحظ أن قيادات كل الدول تقريباً تسير في الاتجاه الآخر بعيدا عن الشمس خوفا من عينها الحارقة، ما يجعلهم مجرد ظلال لأنفسهم بعد أن كانوا رجالاً ونساء في الأمس القريب. فمن أوباما إلى كاميرون، ومن كاميرون إلى أولاند، ومن أولاند إلى أردوغان، ومن قادة الصين واليابان إلى قادة ألمانيا واستراليا، ومن قادة الأفارقة إلى قادة العرب أصبح الجميع ظلالاً باهتة تقف خائفة مرتبكة تنتظر غياب الشمس ونزول الظلام كي تخرج بحثاً عن فريسة ضعيفة تصطادها وتمثل في جسدها قبل أن تفتح الشمس عينها في الصباح، وتفرض على كل واحد منهم أن يتحول إلى ظل باهت يتبع نفسه، ولا يرى فيها سوى فعلته تحت جنح الظلام.
إن شعوب الأرض قاطبة تعاني اليوم الويلات، لأن كل قياداتها تقريباً تتصف بالفساد السياسي والاقتصادي، والإفلاس الأخلاقي والفكري.
محمد ربيع