Wednesday, September 18, 2013

الحمار والإنسان

الحمار والإنسان

هذه قصة طريفة وصلتني معظم تفاصيلها على الإنترنيت، قمت بإجراء تعديلات عليها وإعادة صياغتها وإضافة تفاصيل جديدة كي تعبر بشكل أفضل عن مشاعري ومشاعر غيري من الناس الذين يرون الإنسان والحمار من زاوية مشابهة... وهنا لا بد أن أعترف بأنني من المعجبين بشخصة الحمار وسلوكه ومواقفه. لذلك تركته يلعب دوراً رئيسا في روايتي "هروب في عين الشمس"، وكتبت عنه قصيدة بعنوان "الحمار الحليم"، بإمكان القارئ أن يطلع على كل من الرواية والقصيدة على موقعنا المذكور أدناه.

كان يا مكان في حديث الزمان
مجموعة من الحمير في دولة عربية  
تعمل بإخلاص وتفكر بهدوء وروية
تنام الليل مرتاحة الضمير
دون فرشة قش أو حصير
قرر حمار صغير ذات يوم أن يضرب عن الطعام
ضعف جسده وتهدّلت أذناه من الوهن
كاد أن يموت من الجوع ويطويه الزمن

أدرك أباه ان صحة ابنه تتدهور كل يوم
أراد أن يفهم السبب حتى لا يقع في اللوم
زار الأب الإبن في الليل على انفراد
يستطلع حالته الصحية المتدهورة باطراد
ما بك يا بني.. ماذا تُعاني؟
هل تحتاج لدواء مُستعجل أو مُداوي؟
أخبرني لماذا تُضرب عن الطعام
هل أزعجك رجل، إمرأة، أو غلام؟
رفع الحمار الأبن رأسه عاليا وقال

إنني مستاء يا أبي من حالنا بين البشر
يوجهون لنا الإهانات كزخات المطر
يسخرون منا نحن معشر الحمير
نخدمهم ليل نهار ولا نسأل حتى عن شعير
نسوا أننا مخلوقات تسحق الاحترام والتقدير
كأن الخائن منهم أمير، والمخلص منا حقير

لا أفهم يا بني ماذا تقول
دع عنك هذا الكلام وهذا الشعور
لا أنت تعرف ولا أنا من هو المسئول
آن الأوان لحرث الأرض وتسميد الحقول
علينا أن نستعد قبل أن تشتد حرارة الصيف
ومتعة العمل في المزارع الخضراء تزول

تمهل يا أبي قليلا
ألا تسمعهم كلما ارتكب أحدهم حماقة قالوا له يا حمار
كأن الغباء في دمنا، عقيدة لنا وشعار
إننا نعرف معنى الحياة، وكيف يكون الوفاء
نتألم، نبكي، نصرخ.. نعيش ونموت بكبرياء
لنا مشاعر صامة، شموخ، عزة، وإباء
 نفكر، نقتفي الأثر، ونعرف كل طريق
نجوب الصحاري من أجلهم بلا دليل أو رفيق

ارتبك الحمار الأب أمام تساؤلات حمار صغير
حرّك أذنيه يُمنة ويٍسرة... استلهم من الطبيعة حكمة كون كبير
اقترب من ابنه يحاوره بمنطق الشرفاء معشر الحمير

البشر يا بني خلقهم الله وفضّلهم على سائر المخلوقات
تعاملوا مع أنفسهم ومع الغير بقسوة فعاشوا العمر عثرات
أساؤوا لأنفسهم قبل أن يتوجهوا لنا بالإساءة والإهانات

دعني أسألك يا بني سؤالا صغير:
هل رأيت حمارا يسرق مال اخيه؟
هل رأيت حمارا يعتدي على طعام غيره من الحمير؟
هل رأيت حمارا يشتكي على أحد من أبناء جنسه؟
هل رأيت حمارا يشتم أخيه الحمار؟
 هل رأيت حمارا يضرب زوجته أو أولاده؟
هل رأيت حمارا يدخن سيجارة، أو حمارة تدخن أرجيلة؟
هل سمعت أن حمير الأمريكان يخططون لقتل حمير العرب؟
هل رأيت حمير اليهود يعذبون حمير العرب؟
هل سمعت حمير بريطانيا وفرنسا يستهزؤون بحمير العرب؟
طبعا لم تسمع بهذه الجرائم ولم ترها أبدا
هذه جرائم ليست من طبع الحمير
بل من طبع بشر لا يحسنون التفكير
ويسيئون التفسير والتأويل والتدبير

عليك يا بني أن لا تنخدع بالعقل البشري
بل عليك أن تفكر بعقلك الحميري
إرفع رأسك عاليا لترفع رأس بني الحمير
لا تهتم بما يقوله كبير البشر أو الصغير
الفقير والثري والعبد والأمير
عاهدني أن تبقى كما خلقت وفيا صبورا
تعيش العمر حمارا ابن حمار
تتصرف بشهامة وعزة ووقار
يكفينا فخرا أننا لا نقتل ولا نسرق ولا ننافق
لا نعتدي على بعضنا البعض، ولا يغتاب أحدنا الآخر
نحب لا نكره، نصدق لا نكذب، نشقى لا نتذمر

صدقت يا أبي، قال الحمار الصغير.
سآكل الشعير وأنام بلا حصير
سعيداً برزقي قليلا كان أم كثير
سأحافظ على موقعي في سلم المخلوقات
حمار يحترم نفسه ويقدر سائر الكائنات

سأترك الإنسان ابن الإنسان
يعيش حياته طاغية يُمارس العدوان
لا يُؤتمن على شيء
ولا يدرك معنى الأمان
أمام الفأر قط شجاع
وأمام القط فأر جبان.


                   د. محمد ربيع                      www.yazour.com

No comments:

Post a Comment