Tuesday, August 27, 2013

مقتطفات من كتاب التدمير الذاتي العربي: استراتيجية الدولة الفاشلة وكيفية تحقيقها

الدولة الفاشلة
تبلور مفهوم الدولة الفاشلة في أوائل التسعينيات من القرن العشرين بعد انهيار الدولة في الصومال وفي غيرها من دول إفريقية وآسيوية. ويمكن تعريف الدولة الفاشلة بأنها الدولة التي تفقد سيطرتها على أجزاء من البلاد التي تحكمها، وانتقال السيطرة على تلك الأجزاء إلى عصابات مسلحة ذات توجهات طائفية أو إثنية أو عميلة تتصارع فيما بينها على حساب مصلحة الوطن والمواطن. وهذا يعني أن الدولة الفاشلة ليست الدولة التي تفشل في تحقيق نهضة اقتصادية أو علمية أو ثقافية في بلادها، بل الدولة التي تسير نحو الانهيار والتمزق. وبسبب ما يوفره انهيار السلطة المركزية من فرص للمجرمين وأمراء الطوائف والأعداء، فإن المجموعات المسلحة تكون مضطرة إلى التحالف مع القوى الأجنبية الطامعة، حتى وإن كانت قوى شيطانية من أجل تحقيق أهدافها والحيلولة دون استعادة الدولة لهيبتها وسلطاتها التقليدية. 
كانت إسرائيل سباقة في استيعاب أهمية تجزئة الدول المعادية وإفشالها، إذ قامت في عام 1953 بتشكيل لجنة مختصة لبناء علاقات مع الأقليات غير العربية وغير المسلمة ومع الدول المحيطة بالعالم العربي. وفي معرض التفكير في كيفية إفشال الدول العربية قال دافيد بن جوريون أول رئيس وزارة في إسرائيل: إن "عظمة إسرائيل لا تكمن في قنبلتها النووية ولا في ترسانتها العسكرية... عظمة إسرائيل تكمن في انهيار ثلاث دول عربية: مصر والعراق وسورية". وفي ضوء ما يحدث اليوم في سورية من دمار، دعى عاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقاً ورئيس مركز دراسات الأمن في جامعة تل أبيب إلى تقوية علاقات إسرائيل بالحركات "الإرهابية المرتبطة بالقاعدة". وتبدو النخب الحاكمة في أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا اليوم في طريقها إلى توظيف نموذج الدولة الفاشلة لتحقيق أهداف إستراتيجية في بعض مناطق العالم، من بينها تخفيف أعباء حماية الموارد الطبيعية الحيوية، وإنهاك الدول التي تشكل خطراً على مصالح الغرب عامة ومصالح أمريكا وإسرائيل خاصة.
يؤدي غياب السلطة المركزية إلى تقويض قدرة الدولة على التحكم في اقتصادها ومواردها الطبيعية، ما يفتح المجال أمام العصابات  الخارجة على القانون كي تسيطر على الأوطان والشعوب المنكوبة وتستغلها. ولما كانت تلك العصابات متحاربة بطبيعة تكويناتها الطائفية والمذهبية والعشائرية، فإنها لن تتوقف عن القتال والاقتتال. وحيث إن السلاح ضرورة من ضرورات الحياة بالنسبة لتلك العصابات، فإن استمرارها يحتم عليها الاعتماد على قوى الاستعمار القديم والجديد للحصول على ما تحتاجه من أسلحة وبيع ما تسرقه من معادن ومصادر طاقة، وتبييض ما تستولي عليه من أموال. وهذا من شأنه تكريس تخلف كل شعب يعيش في ظل دولة فاشلة، وتدمير بنيانه الاجتماعي، وتشويه ثقافته، وفتح كل الطرق أمام تجار الأسلحة والبشر لإرهابه واستغلال ثرواته الطبيعية والهيمنة عليه. أما فيما يتعلق بالدول الكبرى، فإن اعتماد العصابات المسلحة عليها يضمن لها تحقيق مصالحها الاقتصادية والأمنية من دون تكلفة حقيقية. ومع توارد الأيام واستمرار الحروب الأهلية تتحول التركة الحضارية للشعوب التي تعيش في ظلال دول فاشلة إلى نفايات تسقط مع الزمن من تراث الإنسانية، فيما تغدو في نظر الغير من الأمم شعوباً همجية لا تنتمي إلى العالم المتحضر.
يقول الدكتور ماكس مانوورنج Max Manwaring الذي عمل ضابطاً في الجيش الأمريكي ومسئولاً كبيراً في جهاز الاستخبارات العسكرية ويشغل اليوم منصب أستاذ الإستراتيجية العسكرية في كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، إن من المصلحة إفشال بعض الدول ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لأمريكا مع إحكام الهيمنة عليها. وتتم عملية إفشال الدولة بتدريب مجموعات أجنبية وتمويلها وتمكينها من التسلل إلى داخل الدولة المُستهدفة، أي خلق طابور خامس يعمل بهدوء على تدمير الدولة المعنية من الداخل. وتشمل عملية إفشال الدولة العمل ببطء ولكن بثبات على إنهاكها وتآكل إرادتها والتشكيك في قدراتها كي يسحب الشعب الشرعية منها، وإرغامها في النهاية على تنفيذ إرادة أعدائها... "إن الهدف من هذه الحرب ليس تحطيم المؤسسة العسكرية في الدولة المُستهدفه، ولا إسقاط الدولة، ولا القضاء على الشعب أو موارده، وإنما اختطاف الدولة وإرغامها على الخضوع لإرادة المُعتدي". وتشمل عملية الاختطاف التحكم الفكري والسياسي في نظام الدولة والسيطرة عليه سيطرة كاملة، بحيث يكون "مضطراً لإصدار قراراته ليس من أجل التعبير عن إرادة الشعب، وإنما من أجل التعبير عن إرادة الدولة التي قامت باحتلال أراضيه وإخضاعه لسيطرتها".http://www.youtube.com/watch?v=_mGToW_kJPc   
وتبدأ عملية إفشال الدول، كما يقول مانوورنج، بزعزعة الاستقرار في البلاد، فى الغالب بوسائل سلمية، كأن يقوم عملاء من المواطنين بتنفيذ مخطط يستهدف الإخلال بالأمن وشيوع الفوضى. وليس من الضرورة أن يكون منفذو هذا المخطط من الرجال، بل من الممكن أن تشترك في تنفيذها النساء والأطفال. وتشمل أولى مراحل إفشال الدولة تقويض مصداقية النظام الحاكم باستخدام الإعلام الموجه إلى الشعب، والانتقال بعد ذلك إلى خلق مناطق داخل حدود الدولة لا سيادة للدولة عليها عن طريق دعم مجموعات مسلحة تستخدم العنف للسيطرة على المناطق المستهدفة. وهذا من شأنه تحويل الدولة إلى دولة فاشلة وانهيار إرادتها، وفتح المجال أمام أعدائها للتدخل في شؤونها والتحكم في مصيرها... "إن الحرب، سواء كانت قاتلة أو غير قاتلة، هي عملية اغتصاب... اغتصاب قدرة العدو وإرادته على الفعل، وأن الدولة الفاشلة هي الدولة التي يتم تدميرها من الداخل بشكل بطيء وتدريجي، بحيث تؤدي عملية التدمير إلى سقوط الدولة جثة هامدة. وهذا يمكن إنجازه من خلال تشكيل طابور خامس وظيفته الأساسية خلق أسباب الفتنة والتناحر بين مختلف فئات المجتمع، ودفعها نحو التدمير الذاتي". 
وتأكيدا لهذا النهج في التعامل مع العرب نورد فيما يلي ما قاله عاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق في نوفمبر 2010، وذلك كما أوردته جريدة كل العرب التي تصدر في فلسطين المحتلة منذ عام  1948. قال يادلين: "لقد أنجزنا خلال الأربع سنوات ونصف الماضية كل المهام التي أوكلت إلينا، واستكملنا العديد من المهام التي بدأ في تنفيذها من سبقنا، وكان أهمها الوصول إلى "الساحر"، (أي القائد في حزب الله عماد مغنية). لقد تمكّن هذا الرجل - اللغز من عمل الكثير الكثير ضد دولتنا، وألحق بنا الهزيمة تلو الأخرى، ووصل إلى حد اختراق كياننا بالعملاء، لكننا في النهاية استطعنا الوصول إليه في معقله الدافئ في دمشق التي يصعب جداً العمل فيها. إن نجاحنا في ربط نشاطات الشبكات العاملة لصالحنا في لبنان وفلسطين وإيران والعراق أوصلنا إلى إحكام الطوق حول جحره الدمشقي، وهذا يعتبر نصراً تاريخياً مميزاً لجهازنا على مدار السنين الطويلة".  http://www.alarab.net/Article/338088
من ناحية ثانية، يبدو أن أمريكا قررت سحب معظم قواتها العسكرية تدريجياً من منطقة الشرق الأوسط، ما يجعلها بحاجة إلى استراتيجية عسكرية سياسية جديدة تضمن لها الهيمنة على ينابيع البترول والغاز التي تملكها تلك المنطقة من دون تكلفة حقيقية. لذلك تتجه نحو رسم خطة مرحلية لإفشال الدول العربية وانهيارها من الداخل وتأمين السيطرة عليها، وذلك بالتعاون أساساً مع بريطانيا أم الدول الاستعمارية وإسرائيل آخر معاقل العنصرية. وفي اعتقادنا تمثل سياسة إفشال الدول وتدمير قدراتها التنموية، وتجزئتها إلى دويلات متناحرة، وتجويع وترويع شعوبها أبشع جريمة تُرتكب بحق الإنسانية، علماً بأن الأشخاص الذين يخططون لارتكابها يزعمون بأنهم ينتمون إلى أكثر دول العالم تحضراُ. وبسبب حجم هذه الجريمة، نلاحظ أن مانوورنج يشير إلى سياسة إفشال الدولة والحروب غير التقليدية بوصفها كلمات "مُحرًّمة كُنّا نهمس بها همساً"، لكن آن الأوان للبوح فيها. 
كتب المثقف الفرنسي ثيري ميسان يوم 16/7/2013 تحت عنوان "العالم من دون قطر" يقول إن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر بطريقة قانونية جاء ليؤذن بحقبة استعمارية جديدة بناء على اتفاق سري بين الولايات المتحدة الأمريكية والإخوان المسلمين وإسرائيل. ويتهم ميسان الإخوان بالتعاون مع بريطانيا والسي أي إيه منذ عقود، إذ يقول كان من المفروض أن الإخوان أسسوا حركتهم في البداية من أجل محاربة البريطانيين، لكن البريطانيين قاموا باختراقهم ودعمهم وتوجيههم لمحاربة القوى القومية التي كانت العدو الحقيقي للاستعمار البريطاني. ومما يدلل على تعاون الإخوان مع بريطانيا، كما يقول ميسان، أن مركز التنسيق الدولي للحركة ما يزال في لندن حتى اليوم. ويختتم ميسان قائلاً "إن عزل مرسي لا يمثل فشلاً للإخوان فقط، بل وفشلاً لؤلائك الذين يجلسون في لندن وواشنطن أيضا،ً وقد اعتقدوا أن بإمكانهم إعادة تشكيل شمال إفريقية والشرق الأوسط تحت قيادة إسلامية، وفي حالة الفشل، فإنهم يفضلون إشاعة الفوضى على فقدان القدرة على السيطرة والتحكم." http://www.voltairenet.org/article179434.html

No comments:

Post a Comment