Thursday, August 22, 2013

الانتماء والنماء

الانتماء جزء من الحياة الاجتماعية لكل فرد، إذ لا تكتمل حياة إنسان ولا يشعر فرد براحة نفسية إلا إذا كان عضواً في مجموعة صغيرة نوعاً ما، يشترك مع بقية أفرادها في أشياء تهمه وتعنيه وترتبط بماضيه أو حاضره أو مستقبله. وفي ضوء صغر الفرد في مقابل المجتمع، فإن كل فرد ينتمي لأكثر من مجموعة من الناس تشكل فيما بينها حلقات متنوعة، بعضها هرمي وبعضها الآخر أفقي، تتقاطع مع بعضها البعض أحياناً، وتتكامل مع بعضها البعض أحياناً أخرى، وتتنافس فيما بينها في كل الحالات والأحيان. وبسبب ذلك، يخضع سلوك الفرد وموقفه من الذات والغير عادة لتيارات ثقافية وفكرية ومصلحية متعددة، يغلب عليها التناقض، ما يستدعي قيام الفرد بالعمل على تطوير حلقات الانتماء التي ينتمي إليها والإسهام في تكاملها، والحرص على تنمية ملكاته العقلية ومواهبه الخلاقة، وتعديل مواقفه للتجاوب مع ظروف الواقع وتحدياته المتزايدة، والعمل الدؤوب على استكمال متطلبات النماء وبناء شخصية ذاتية تتصف بقدر كبير من الاستقلالية الفكرية والحرية الاجتماعية والمثالية.


حين يأتي إنسان إلى الحياة، يحمل معه إرثاً تارخياً وثقافياً واجتماعياً لا يستطيع أن يتخلى عنه أو يُنكره. إذ حين يتخلى إنسان عن إرث تاريخي، يتخلى في واقع الأمر عن جزء أساسي من شخصيته وعلاقاته مع الغير ومحيطه الاجتماعي، أي عن الإطار الاوسع الذي ينتمي إليه وينشط من خلاله. وحيث أن كل إنسان بحاجة للتحرر مما يعيق حركته أو يكبلها من ناحية، وإلى إطار انتماء لاستكمال وجوده الاجتماعي من ناحية ثانية، فإن كل إنسان يجد نفسه يعمل في اتجاهين مختلفين في آن واحد. الأول تحرير الذات وبناء شخصية تتمتع بقدر كبير أو صغير من الاستقلالية، والثاني تطوير إطار الانتماء الأهم ليكون أكثر تجاوباً مع احتياجاته وطموحاته المستقبلة، وذلك دون الخروج على الاطار المجتمعي الأكبر. مع ذلك من الطبيعي أن يقوم إنسان باستبدال إطار الانتماء الأهم بإطار آخر يكون أقدر على التجاوب مع احتايجاته في مرحلة ما من مراحل حياته الاجتماعية أو المهنية. إن التخلي كلياً عن إرث ثقافي واجتماعي يقود في كل الحالات والأحيان إلى التخبط والضياع، وأحياناً إلى الاحباط وخيبة الأمل.
في بعض الحالات والأحيان، يقوم المجتمع بعزل شخص أو أقلية وممارسة التفرقة ضدها ما يتسبب في دفع أعضائها إلى الغضب والعنف والثورة على الواقع. وهذا يعني أن الانتماء ضرورة اجتماعية وحقاً مشروعاً، وان التفرقة ضد الغير جريمة اجتماعية وتنكر لإنسانية الآخر، وحرمان إنسان من حقه في الحياة حياة سوية والتكامل مع محيطه الاجتماعي الأكبر.

د. محمد ربيع     www.yazour.com

No comments:

Post a Comment