Wednesday, May 8, 2013

نظرة إلى الزمن


نظرة إلى الزمن

نظرت إلى المساء بعين يداعبها الأمل والحنين، رأيته يسير مسرعا مبتعدا عني، أمسكت بطرف ثوبه الملون بأشعة شمس توشك على الغروب، تعلقت في أهدابه كي لا أتخلف عنه وأغرق في ظلام دامس، فالظلام هو كل ما يتركه نهار شتوي حين يقرر الحداد على شمس هجرته لحضن بحر دافئ. جرني النهار وسار في طريقه متباطئا، شعرت بأنني أثقل عليه، لكنني لم أجد وسيلة أخرى غير التعلق في أهدابه خوفا من الضياع.
نظرت أمامي فإذا بالزمن يركض دون أن يلهث، وكأنه يزداد شبابا وحيوية كلما تسارعت خطواته، يتوقف لحظات بين الحين والآخر، يلتفت خلفه ليقيس مدى ما حققه من تقدم على الطريق إلى هدفه، لكنه كلما اقترب من الهدف تبين له أن الهدف الذي تخيله لم يكن سوى شاهدا على طريق طويل.. فكل جيل يرسم لنفسه هدفا ما يكاد الزمن أن يلمسه حتى يكون الجيل التالي قد تجاوزه في أحلامه وأفعاله وأفكاره، وترك هدف الجيل السابق شاهدا على تاريخ لا ينتهي ولن ينتهي.
نظرت خلفي فإذا بالأهل والأصدقاء والوطن يستلقون بإسترخاء على شاطئ بحر هادئ، لا تعرف مياهه سوى الجزر.. كانت المياه تتبخر ببطء بعد أن توقفت كل الينابيع التي كانت تغذي البحر وتعطف عليه. لكن الأهل لم يدركوا ما حصل للبحر، ما جعلهم يستغرقون في نومهم وأحلامهم الوردية ينتظرون وصول المد. حزنت على أهلي ووطني ومستقبل الأجيال القادمة، وتمنيت أن أكون قمرا يضيء لهم الطريق في الظلام، شمسا تجدد جريان الدم في عروقهم بعد سبات شتاء طويل، فكرة توقظ عقولهم وتلهب حماسهم، لكنني تذكرت أن القمر يأخذ العاشقين إلى السهر والسمر بعيدا عن هموم الواقع، وأن الشمس تبعث في الكُسالى الإحساس بالحاجة لقيلولة طويلة قبل أن يستيقظوا ثانية لتناول وليمة هناء أو عزاء، وأن أية فكرة جديدة تخيف عقول الجهلاء وترعب قلوب المؤمنين وتدفع بهم إلى الارتماء في أحضان ماضٍ سحيق والعيش مع أحلامه وخيالاته طلبا للأمن والأمان.
لذلك وجدت نفسي أمام خيارين: إما الاسترخاء إلى جانبهم ونسيان الزمن، أو مجاراة الزمن في شبابه وحيويته المتجددة والعيش مع النهار بعيدا عن الظلام.. هربت، لكنني لم أستطع نسيان الأهل ولا سحر أحلامهم التي أدرك أنها لن تتحقق.. نعم.. اخترت الغربة والإغتراب بعيدا عنهم كي أعود إليهم بفكر جديد ووعي مختلف وتجربة حياتية مثيرة.. وحين عُدت وجدتهم وقد تخلفوا عن الزمن أكثر والعالم، وأن البحر أصبح مستنقعا يلعب فيه الأطفال ومشتلا لكل أنواع الجراثيم.
                     د. محمد ربيع                                 www.yazour.com

No comments:

Post a Comment