Wednesday, December 4, 2013

العرب والحقيقة

العرب والحقيقة
هناك من الناس من يقول الحقيقة، وهناك من يعمل على تشويه الحقيقة، وهناك من يختلق أشياء يدعي بأنها تجسد الحقيقة. لكن الحقيقة هي في كل هذا وذاك، وليست في هذا أو ذاك، لأنه لا توجد حقيقة مطلقة تجمع عليها كافة الشعوب أو حتى أغلبية العلماء والمفكرين. وفي الواقع، لا يوجد إنسان في العالم بإمكانه معرفة الحقيقة، لأننا لا نعرف تماما ماذا نعني حين نتكلم عن "الحقيقة". مع ذلك، تدعي معظم الديانات السماوية وغير السماوية أنها تملك الحقيقة دون سواها من فلسفات وعقائد، ما يجعلها تسهم بوعي ومن دون وعي في صنع حقيقة قد لا تمت إلى الحقيقة التي تعنينا بصلة.
إن على الإنسان الذي يسعى إلى معرفة الحقيقة أن يقوم بمراجعة تجربة الحياة الماضوية، الفردية والجماعية، وتقييم ما لها وما عليها بحياد وموضوعية. وهذا يفرض عليه أن ينظر إلى الخلف وأن يقوم بدراسة التاريخ والغوص في أعماقه والعبث في مياهه. لكن كي يعيش الإنسان حياته ويتعرف على ما فيها من حقائق ومعطيات، عليه أن ينظر إلى الأمام كي يستطلع آفاق المستقبل، ويستشف ما يحمل بين طياته من احتمالات ومفاجآت سارة وغير سارة.
إن تركيز العرب على التاريخ، والنظر إلى التراث من منظور إيديولوجي يدعي ملكية الحقيقة جعلهم عاجزين عن مراجعة تجربة الحياة الماضوية وتقييم ما لها وما عليها. كما أن إنشغال العرب في قضايا التراث الفكرية والعقائدية جعلهم عاجزين عن العيش تجربة إنسانية عادية كغيرهم من شعوب العالم. ولما كان التاريخ العربي قد صنعته الحروب والصراعات الإثنية والطائفية والقبلية أكثر من أي شيء آخر، فإن المؤرخين العرب قاموا بتزييف ذلك التاريخ، ما جعل العرب يبتعدون عن الحقيقة كثيرا، ويقفون عاجزين عن فهم الحاضر والمستقبل على السواء. وهذا جعل العرب غير راضين عن الحاضر، وعاجزين عن فهم المستقبل، وغير واثقين من أنفسهم ومن أن بإمكانهم الإسهام في صنع المستقبل ومواجهة ما يحمله بين طياته من تحديات. لهذا يعيش العرب اليوم في دوامة من الصراع مع الذات، غير قادرين على تحقيق الحد الأدنى من الوحدة الفكرية أو الثقافية أو السياسية أو الأمنية، تابعين لغيرهم من دول معادية تعمل جاهدة على تكريس فرقتهم وتخلفهم وضياعهم وتجزئة بلادهم واستغلال مواردهم.

محمد ربيع

No comments:

Post a Comment